المشاهد الحيه والمحسنات البديعيه
بقلم : الأديب والقاص / زين العابدين الشريف
: العناوين :
:اولا : 1-العناوين بعضها يتسق مع موضوع القصة فى مجملها : رابطة – الغيمة . . الخ و بعضها يتوحد مع موضوع القصة لدرجة الصدق الكامل كما فى " رابطة و سراب . ." تلك القصة التى تحوى كثير من المقاطع الشعرية فيكون العنوان به بعض الصفات الشعرية . .
1- وأحيانا يوضع العنوان على سبيل النقد اللاذع" نقطة نظام " وفى كلا الحالين يتبين صدق القاص وسلامة مشاعره وقلمه .
2: العناوين فى معظمها نكرة وهذا ربما يعود الى سببين :
- انعكاس لترامى الصحراء واتساعها حوله وامتداد الافق وتشابه المفردات .
- فكرة الكون قرية صغيرة . . وفى كلتا الحالتين يتطلب من الكاتب ثقافة ونضوج كى يقحم نفسه فى اتونها .
ثانيا :الاسلوب :
1 – فى الغالب يستخدم القاص جملة وصفية تضعك امام مشهد حى . . . مامثلة : ففى "رابطة " : (فيما يسمع النائم ,جاءنى صوتها واهنا رقيقا)
وفى نقطة نظام : (تزداد حرارة الجو وحركة الريح الساخنة )
وقد لاحظت أن أى تغيير لأى مفردة يجرح بقية الكلمات ويجنح بها للنشاز, وأيضا يربك المشهد الحى . وتصل المتعة بالقارىء إلى أبعد مداها عندما تكتشف حميمية الكاتب مع نصه أسلوبا وكلمات . . حين تقرأ فى " رابطة " : دفعته برفق سنواتها القليلة , وفى " أميرة " حين تقرأ : (بحياء وفى تردد تفتحت عيناها .)
2- وأحيانا يستخدم جملة تبدأ بوصف صامت لتنتهى بمشهد حى لكنه صامت أيضا كما فى " سراب " حين تقرأ : (ما يزال شعرها المائل للحمرة يستند إلى كتفيها سعيدا لم يخالطه شيب ), أو تنتهى بمشهد حى له ضجيج كما نقرأ فى قصة " هزيمة " : (كان الليل موحش , هدوءه قاتل , ونقيق الضفادع طبول حرب ).
3- واحيانا يستخدم الكاتب اسلوب المشهد الحى الذى يتبعه لقطة أقوى لا ترى بالعين وانما تسمع بالأذن كما فى " أميرة " : ( أحملها برفق و أضمها إلى صدرى , وأشفق عليها من شبق الشوق إلى ضمة أقوى . .)
ثالثا المضمون :: حين تخرج من نص قرأته كما دخلته فاعلم أنك أمام نص سطحى غير واعى . . أما إذا ألقى النص عليك حملا ثقيلا , أو سؤالا كبيرا بعد قراءته فاعلم أنك أمام نص مسؤول وكاتب مسؤول واع , نقرأ : ( أنها أ؟كاذيب شباب يعيش بالوهم ما لم يمكنه فى الحقيقة ) , والقاص هنا يعالج بنوع من الفلسفة والتأمل والوصف الصادقسلوكيات و أساليب حياة تؤدى إلى هزيمة الإنسان السوى .
فى قصة " عواء الريح " السياسية بامتياز إسقاط لما يحدث بين الجيران العرب خصوصا مصر وفلسطين . . وفيها محسنات بديعية كثيرة حين يكنى عن الاسلحة بالقش وفروع الاشجار , وحين يلمز بالإسقاط عن النار التى تأكل الضعفاء فى الوطن , وتأكل الجميع عند الجار كالبعوض .
فى " نقطة نظام " الكل مقهور . . المواطن من العسكرى , والعسكرى من الضابط , والضابط من القائد . . وكأنه مجتمع يسير – بريموت الاوامر - . . لكنه يطرح من مضمون القصة سؤال كبير . . ما هو أفضل عمل لمحاربة الفساد الكامل . . ؟ أن نصفق له ليستمر فى فساده الى النهاية المؤلمة له وللوطن ؟ أم نحاربه فى معارك لا تنتهى ؟ والخاسر هو الوطن . . . ؟
فى "عواء الريح " . . حين يحجتاج الجار إلى مساعدة ولا يجد ؛ وتصيب الوطن ازمة فى " الغيمة " . . فلا يجد أيضا المساعدة . .
فى " سراب " ؛ يوحى إلينا الكاتب أن الاعمار تقدر بالأرواح والأفكار وهى أيضا تشيب وتترهل .
فى قصتا " أميرة , و رابطة " قصة واحدة . . ولكن –عزيز – حاول إقناعنا بالاختلاف رغم رغم المضمون الواحد ( علاقة الأب بالإبنة ) و ( ويتجاهل الام وباقى افراد الاسرة ) . . وكأنه لا يريد سوى هذه العلاقة بين هذين الحميمين . . الأب والإبنة ! !
وربما هذه القصص تفصح عن بعض ملامح من شخصية الكاتب . . فالعاطفة تجاه البنت تحديدا قوية كما فى " أميرة و رابطة " و علاقته بالسلطة سلبية " نقطة نظام " ورغبته فى العيش بسلام وحب فى معظم القصص .
اللغة :
سهلة ومنسابة كشلال له تناغم موسيقى متآلف فى مجمله . . وبها مفردات من البيئة . . سراب – الخيمة – شجرة الجميز . . واحيانا يوحى إلينا القاص بمشهد حى دون أن يستعين بمفردة تعكر صفو " الجملة الروحية " كما فى " سراب "حين نقرأ :
( ورحت أبحث عن كثير من اشيائى القديمة . .) " يقصد التذكر " ونقرا فى " عواء الريح " : (اللعنة . . أين جلست ؟ أعمانى ذهولى عن الفحم اللعين . . يقينا اسودت منه ملابسى ) وكان يمكن القول " جلست على الفحم أو بالقرب من الفحم " . ونقرأ فى نهاية قصة " البنت الحلوة " : (وأمام إصرارى أعلن بكل صرامة أنه لا ينوى أن يرى برق الشتاء إلا فى موعده ومولده بين الغيوم . .) وكان يمكن اختصارها إلى " لا ينوى ضربى . . وهنا نلحظ جمالية المجاز ليفرق بين برق الشتاء فى موعده وبرق الشتاء فى غير موعده . .
النهايات : فاترة وغير صادمة , لكنها تحمل مبضع التأمل والفلسفة والتساؤلات العميقة طويلة المدى . .
رابعا : الشخصيات : فى معظم قصص المجموعة تتحدث الشخصية الرئيسية ( البطل ) بضمير المتكلم . . وقد وفق عبد العزيز فى ذلك لأسباب منها :
1- تقليل ازدحام النص بالشخوص
2- يعطى الكاتب مساحات فضفاضة فى الوصف والتهكم والسخرية ما لم يستطع الراوى الخارجى إحداثه , إلا أنه استخدم أيضا اسلوب الراوى الخارجى فى قصة " مواجهة " حيث تدخل الراوى على استحياء أحيانابضمير المفرد وأحيانا بضمير الجماعة . .
خامسا : سلبيات :
1- إظهار عضلات اللغة على حساب الأدب . . فنقرأ فى نقطة نظام : " ويصنع بعضها الآخر بالتآ مر مع عرقى المتصبب . . الخ"
2- بعض القصص القصيرة جدا لا تحتاج مثل هذا الاطناب . . ففى " أميرة " . . حين يشق ضوء النهار غبشة الفجر ؛ ويشتت غلالة الضباب المتجمع حولنا ؛ والندى المتلصص على النوافذ والأبواب ؛ " . . ويقول فى مقطع لاحق : حين فا جأتنى بلفتتها الصغيرة نحو صوتى . . حين هللت بجناحيها النابتين توا ؛ ورسمت ابتسامة غضة وجهتها نحوى . . " وهى قصة صغيرة لا تحتمل كل هذا . .
3- أرى أن الرمزية فى بعض القصص جاءت بدافع الخوف. . وأعتقد انها لا تفى بالغرض خصوصا ونحن فى عصر مكشوف تفضحه الفضائيات والنت ؛ فنقرأ فى نقطة نظام " صاحب العرش , ويقصد الضابط , وفى عواء الريح يكنى عن الأسلحة بالقش وفروع الأشجار .
4- اللغة يغلب عليها الطابع الشعرى على حساب الحركة والصراع .
5- التهايات ممطوطة , ويمكن أن تنتهى قبل السطر الأخير , أو الفقرة الأخيرة , كما فى هزيمة – البنت الحلوة .. وفى بعض القصص يتهلهل الاسلوب فى الثلث الأخير وتبقى الفكرةباسلوب يختلف عن بداية النص . فقط لزوم دوام المودة – كوكب آخر ..
سادسا : أخطاء فى تركيبة الأسلوب :
1- فى قصة " الغيمة " : تتوالى بازدحام فى ذهنى …
2- فى قصة "رابطة " : فيما زلت مغمض العينين أتابع . .
3- فى قصة " فقط .. لزوم دوام المودة " : صرت كييف قهوة سابق .. وأيضا ؛ لماذا تقدمين السبنسة ؟
أخطاء لغوية : طنقطة نظام " السطر الاول : إلى عيناى . .مثلا ..
إذا كان من شروط المجموعة القصصية أن تكون جميع القصص لها ميزان واحد من حيث الموضوع ؛ فأعتقد أن ذلك لا ينطبق على قصص عبدالعزيز ليضمها عنوان واحد ؟ ؟ ؟ ؟ أخيرا: . . وهذا تساؤل أطرحه على حضراتكم , أما النصوص فرادى ؛ فأستطيع أن أؤكد أنها قصص على درجة عالية من الوعى والنضوج , كما أن الكاتب استخدم أدواته بحرفية عالية وتقنية أكثر من رائعة .
إجمالا أستطيع أن أصف أسلوب الكاتب / عبدالعزيز قاسم بالآتى ؛ تواتر تصاعدى متناغم بلغة بسيطة راقية تكثر فيها الصور الشعرية والمحسنات البديعية , لتضعك أمام مقاطع من المشاهد الحية المتناسقة التى تخدم النص, والمطعمة بمقاطع لغوية تخص المشاعر , وتفوق الرؤية , تأخذك إلى نهايات فاترة غير صادمة , وتحملك إلى متعة مسؤولة واستفهامات كبرى لا تعرف لهما سبب سوى صدق الكاتب وحرفيته ووعيه وثقافته الواسعة خلال رحلاته التأمليه فى نصوصه التى لا تسمح بالانفلات من سلطانها .
زين العابدين الشريف
تعليقات
إرسال تعليق