كوكب آخر للحب
النص تم اختياره للترجمة الى الانجليزية ضمن الكتاب السنوى لنصوص القصة القصيرة بوزارة الثقافة
تأخذني – كالعادة – رجفة خفيفة حين أشعر بطيفها يتقدم عبر الممر المؤدى الى السلم .. أتلكأ قبالة بابي ومازلت مغمورا في ترددي . .
تلوح تتهادى يسبقها عبيرها وبسمة تبرق . . . تملأ الدنيا حبورا , سرعان ما تتوارى وراء حيائها . . أشجعني . . أدفعتي لصنع شيء ما هذه المرة ..؟ أشير لها بأن تتروى وأشفعها ببسمة راجية .. تندهش . . تتعثر . . أردف في توسل : "تسلكين نفس الطريق . . أحملك أو تحمليني . . " وأضيف موضحا .. " أقصد …"
تقاطعني بهزة من رأسها وتشير إلى ناحية الشارع وتنطلق تتعثر في خجلها , أدخل مسرعا . . أبدل ملابسي . . أختار أكثر أحذيتي جودة .. أروح أتطلع من النافذة لأجد طرفا من فستانها الخفيف يلاطفه الهواء , والتفاته جانبية منها تضبط تلصصي , فتعاود ابتسامتها , وترسل نحوى خصلة من شعرها , وتختفي .. أسرع بالانتهاء , واجمع أوراقا لا أهمية لها. . وأضعها في ملف أوراق وأهرول نحو الباب . . أكتشف تمرد رباط حذائي , فأرفعه الى , يختل توازني . . أتركه لاعنا إياه . . أنحنى عليه لأحكم ربطه بعصبية ونفاذ صبر . . أهبط الدرج مسرعا نحو الباب الرئيسي . . أتوقف لأطمئن على هندامي . . أتقدم مبتهجا مشدودا . . ويرتفع من بعيد تدريجيا صوت دقات طبول قوية متسارعة لجيش - على مايبدو - من العصور الوسطى . . أكتشف أنها تنطلق من صدري . . تزداد ارتفاعا حين تتسلل الى رئتي نسمات من عطرها البديع . .
أتوقف فجأة , لخاطر يناكفني بأنها ربما انصرفت , لكن عطرها كان يملأ الهواء من حولي , فأتقدم .. نتبادل ابتسامات رزينة , ونظرات شغوفة . . ثم نتقدم , دون أن أجد كلمات كثيرة كنت أعددتها لمثل هذه اللحظة , أتفحصها بطرف العين وأملأ صدري برائحتها , و أتمنى لو أجد كلمات مناسبة لا تكشف شغفي بها وسعادتي برفقتها . . أتلهى بالأوراق التي أحملها بيدي . . ثم أنقلها الى الجهة الأخرى , وتصطدم أيدينا مرة بعد مرة دون أن أجد الجرأة للامساك بيدها . . ثم . . تحدث مفاجأة تدفع الدم دفعا الى وجنتي . . أذني .. أتصبب عرقا . . حين تمسك هي بيدها الصغيرة يدي , وتلتفت الى من وراء خصلة عنيدة تخفى قسما كبيرا من وجهها , وتسألني كمن يعاتب طفلا عن السبب الذي جعلني أتأخر كل هذا الوقت في اتخاذ قراري الهام والحاسم والمصيري بالحديث إليها . . وتقول أنها كانت تنتظر في كل مرة نتراءى أن أسألها الانتظار والرفقة ولو بإيماءة خفيفة كتلك السابقة . . تقول أنها تراني مرتين أو ثلاثا من كل أسبوع , وأنها تسأل نفسها كثيرا ؛ إذا كان يخرج يوميا في موعد عودتها من عملها الجديد ؛ ويسلك نفس الطريق ؛ فلماذا لا نتشاركه .. ثم تسأل بالمناسبة عن سبب ذهابي الى حيث تسكن هي وكان على أن أجيب ؛ فأنسى تماما حرصي ألا ينكشف شغفي بها أو مدى سعادتي لرفقتها والاستماع لصوتها .. بل وحرصي الآن ألا أترك يدها , وأقول متهالكا : " في حيكم ندوة أسبوعية واحدة .. أعاود السير إليها بقية الأسبوع لكي أراك . . منذ رأيتك في بنايتنا أول مرة – تسألين عن الشركة – وشغفي بالحديث إليك والسير برفقتك والنظر في عينيك .. يزداد ويتضخم , وأسألك في كل مرة تحضرين فيها للبناية أن تنتظريني لأشاركك الطريق .. لكن كبرياءا أحمق يحذرني من نظرة غضب أو نظرة استفهام تعنى الرفض . . وأعود أركل أثاث المسكن وجدرانه حتى ألقاك ثانية , فيتكرر نفس المشهد ولا يخرج صوتي بما أريد .. تتوقف . . أنظر في عينيها مستسلما . . تخفض عينيها .. ترفعها .. تعطيني يدها الأخرى .. تتحول سيارات الشارع الى محفات تطوف من حولنا , وتعزف ألحانا فرحة شجية تأتى من بعيد .. تتحلق من حولنا وجوه ملائكية تبتسم في ود ومحبة ويهنئون بعضهم ويشيرون إلينا في فرح وحبور .. تقول حبيبتي :" ما أشد تعاستي فيما مضى , إذ لم أصدق ما أخبرتني به عيناك وما حدثني به قلبي .. أسندت برأسي رأسها وأخبرتها :" في المسافة بين التردد والإقدام , يذهب كثيرا مما نستحقه لغيرنا " ولم أجد في يدي أوراقا كنت أحملها .. فقط ضممتها بين ذراعي .. أملأ صدري برائحتها , وأخفى وجهي بشعرها .. وأكاد أبكى ……
تعليقات
إرسال تعليق